Canalblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

شرح ملح

28 novembre 2006

يومياتي في إسبانيا * في الواقع، لم يكن رشيد نيني

drapeau_20espagnol_1_

يومياتي في إسبانيا

* في الواقع، لم يكن رشيد نيني مهاجرا سريا عاديا: ففي سنة 1997 وُجهت إليه دعوة للمشاركة في المؤتمر العالمي الأمازيغي الذي جرت وقائعه بجزر الكناري، ظنا من الهيئة الداعية أن جريدته «أوال» منشور يدافع عن أطروحات الناشطين الأمازيغيين. لقد تمكن الكاتب، بواسطة هذه الفرصة غير المتوقعة، من الحصول على تأشيرة سفر لمدة شهر من القنصلية الإسبانية في الرباط، فبدا له ذلك أشبه بمتنفس مفاجئ يحرره من الجو الخانق الذي كان يكتنف علاقاته بإدارة جريدة «العلم»، ويفتح في وجهه باب تغيير مسار حياته. لذا، بدلا من التوجه إلى الجزر المجاورة لحدود المغرب الأطلسية، اقتنى تذكرة ذهاب إلى مدينة أليكانتي الإسبانية، حيث شرع في البحث عن عمل كأي مهاجر سري خاوي الوفاض. هكذا عمل الكاتب جانيا للمحاصيل في الحقول، ونادلا في المقاهي، ومنظفا في الحانات والمراقص الليلية، وفي مطعم لتقديم «البيتزا» يدلك العجين ويعده للفرن، وحمال أثقال في ورش بناء: «الجميل في الهجرة السرية هو أنك لست مجبرا على المكوث في عمل واحد وقتا طويلا، بحيث تجد أنك خلال الشهر الواحد قد زاولت عدة مهن، وتعلمت ما لا حصر له من الأشياء» (ص 104). ومثلما مارس رشيد نيني أعمالا عديدة، فقد تنقل أيضا، في إسبانيا، بين أليكانتي وأولي?ا وبنيدورم ومدريد و?يكو وبرشلونة، وهي تنقلات اضطرارية تعكس هشاشة الفرص المتاحة، وتقلبات أمزجة أرباب العمل، وقساوة ظروف العيش

لم يتردد رشيد نيني في تحويل تجربته كمهاجر سري إلى نص أدبي على شكل مذكرات سماها يوميات «وإن لم تكن كذلك»، يروي فيها مجريات معيشه، ويحكي عن أشخاص من جنسيات مختلفة تعرف عليهم هنا وهناك، فضلا عن تسجيل انطباعاته عن المدن التي زارها والأماكن التي ارتادها وأقام فيها. من هنا تعتبر «يوميات مهاجر سري» نصا تأسيسيا في المتن السردي المغربي، لكونه يشكل أول شهادة عن معيشة المهاجرين المغاربة في إسبانيا، خاصة وأن الشاهد لم يكن مجرد عامل اضطره شظف العيش إلى الرحيل، وإنما هو كاتب يمتشق الملاحظة والسخرية سلاحين لمقاربة الأوهام التي تتراءى من الضفة الأخرى لمضيق جبل طارق جذابة ومتلألئة، لكنها تنطوي على أفخاخ سرابية منصوبة للفقراء

هناك إحساس عميق، في نص اليوميات، بعزلة المنفي طوعا، وفي نفس الوقت هناك استمراء لمشهد التجارب والشخصيات والوقائع، وسعي لا يكل إلى اكتشاف الخلفيات وفهم تعقيدات الحياة، بما في ذلك حساسية الوجود على أرض الآخر. وبين هذا وذاك، يغدو الخوف من المداهمة والمطاردة والاعتقال سلوكا شطاريا غريزيا، يبلغ الترقب فيه أحيانا حد التحدي والمغامرة. لكن الذاكرة، مع ذلك، لا تستكين، ومن هنا تلك الوقفات التي تتخلل اليوميات محيلة على ذكريات الماضي التي يؤثث بها السارد مصاعب معيشه: ذكريات الطفولة، وموت الأب، ثم الجامعة والاحتراب السياسي في أبهائها، قبل استرجاع خيانات عابرة، ومذلات الأبواب الموصدة، والوعود التي ذرتها رياح الجحود

إنه لا بد من التوقف قليلا عند موقف السارد من الكتابة، ومن المثقفين الذين ينتمي إليهم أصلا ويشعر حاليا بالجفاء تجاههم. يتعلق الأمر بموقف مثير للانتباه، يعبر، فيما يبدو، عن حالة الإحباط التي خامرت رشيد نيني إثر تخليه كرها عن عمله الصحافي، وانخراطه في أفق تجربة غير منظورة العواقب. هناك، من جهة، استهتار بقيمة الكتابة في علاقتها بواقع الناس، وبالتالي استخفاف بالمثقفين الذين يعجزون عن مقارعة التجارب، ويتوارون وراء تنظيرات لا تسمن ولا تغني. لكن هناك، من جهة أخرى، احتفاء بلحظات الانكباب على الكتابة لكونها تمكن السارد من العودة إلى نفسه، واستحضار تجاربه وذكرياته، في مرايا ورقية لا حصر لها. فهل يتعلق الأمر بمقاربة مزاجية تراوح مكانها بين وضع وآخر؟ أم أن حالة الإحباط إنما كانت عارضا عابرا سرعان ما تم تجاوز مخلفاته على إيقاع انغماس الكاتب في صياغة «يومياته»؟ بقي أن نشير إلى أن كتابة رشيد نيني كتابة مقتصدة، حادة المزاج، محتشمة، ساخرة، تسعى إلى مقاربة التجارب والصعوبات كعوارض إنسانية قابلة للفهم، وفي نفس الوقت كمرايا لذات منكفئة على مسبقاتها وقيمها، حريصة على عدم المخاطرة بالهوية، متسائلة دوما عن مدى صلابة الكينونة في مواجهة التحولات. لذا كانت «يوميات مهاجر سري» نصا منفتحا على السيرة الذاتية، ورواية التعلم، والسرد الشطاري، والرحلي، يحمل المغامرة حقيبة، والسعي بطاقة هوية، والاكتشاف مصيرا لا فكاك منه

Publicité
Publicité
Archives
شرح ملح
Derniers commentaires
Publicité